أكثر من سلطة للقمع عن حرية التعبير في مصر 2016 م

يسهل على متابع حال حقوق الإنسان في مصر أن يرى الفترة منذ منتصف عام 2013 وحتى اليوم كوحدة واحدة يحكمها توجه أساسي للسلطة في مصر ولا يطرأ عليها تغيرات جذرية من عام إلى آخر.
ومع أن مثل تلك الرؤية قد تكون صحيحة في حكمها على موقف السلطة من حقوق الإنسان بصفة عامة فإنها قد تغفل حقيقة أن انعكاس هذا الموقف على الواقع اليومي قد تطور خلال هذه الفترة بدرجات مختلفة وفي اتجاهات متباينة.
ويضع هذا مهمة الرصدوالتحليل في مواجهة تحد تكون فيه بين بديلين كلاهما غير مرض بالقدر الكافي. فعلى جانب يمكن لهذه المهمة أن تنزلق إلى تكرار أحكام تعميمية واستنتاجات تعتمد على أخذ موقف السلطة من الحقوق والحريات دون غيره في اعتبارها.
وعلى جانب آخر يمكن لها أن تغرق في تفصيلات الظواهر اليومية إلى حد أن يغيب عنها أي إطار حاكم مما قد يجعل الموقف العام للسلطة محلقا بعيدا عن أرض الواقع وغير مرتبط بتطوراته بشكل مباشر وهو ما يجعل الادعاء بوجود
هذا الموقف بلا سند واضح. يمكن إيجاد نقطة اتزان بين البديلين إذا ما وضعنا في اعتبارنا عدة حقائق أولها أن مفهوم السلطة هو بالضرورة أوسع من مفهوم النظام السياسي الحاكم، وهو ما يجعل عديد من مظاهر الانتهاكات التي تلحق بالحقوق والحريات مندرجًا تحت أثر الموقف العام للسلطة منها دون الحاجة إلى علاقة مباشرة بأفعال ممثلي النظام ومؤسساته.
وثانيا لا يُعبرالموقف العام للسلطة عن نفسه فقط في خطابها أو سلوكيات ممثليها العلنية ولكنه أيضا يعبر عن نفسه من خلال مناخ عام يخلقه كل من الخطاب والسلوكيات، ينتج بدوره مزيدًا من الانتهاكات ويؤدي إلى تدني إمكانيات مواجهتها نتيجة اعتبارها طبيعية أو ضرورية. ثالثا وأخيرا لا ينبغي تصور أن التوجهات العامة للسلطة في مرحلة زمنية ما تعمل بالضرورة من خلال تخطيط مسبق وتنسيق وثيق بين ممثلي السلطة في تجلياتها المختلفة، خاصة في ظل أوضاع يمكن
التدليل على أنها تعكس تحللا وضعفا واضحا لآليات السيطرة والتنسيق، حتى في مؤسسات الدولة نفسها. وواقع الأمر أن التوجهات العامة للسلطة تتجلى بأكبر قدر ممكن في الممارسات والمبادرات الفردية أو الجماعية لقطاعات مختلفة من مؤسسات السلطة دون تنسيق مسبق مع غيرها مع اتفاقها جميعا في تحقيق غايات هذه التوجهات العامة.
ويؤدي غياب التنسيق إلى أنه في حالات عدة قد تجد بعض مؤسسات الدولة نفسها متورطة في دعم انتهاكات لم تشارك بشكل مباشر في تنفيذها أو التخطيط لها في مستوياتها العليا، وإنما بادر بالقيام بها أفراد أو جماعات في أسفل أو وسط هرمية هذه المؤسسات.